لم تكن تلك المرة الاولى و لا الأخيرة التي يتهمها فيها ياغيز بخيانته أو التي يعاملها
فيها بشك..لأن الهوة التي صارت تفصل بينهما صارت تكبر و تتسع مع مرور الوقت
و صار من الصعب جدا سدها..هي باردة و جافة و متباعدة ..لا يشغلها سوى اثبات
نجاحها و الجام أفواه الصحفيين الذين صاروا يهاجمونها بمناسبة و دون مناسبة و
ينسبون نجاحها إلى ياغيز ..و هو صار يشعر أنه يحتل المرتبة الثانية في حياتها..بعد
عملها و حفلاتها و ألبوماتها..و صار يتأثر بكلام الصحفيين و يفكر في صدق
مشاعرها تجاهه و حقيقة زواجهما..فصار يضغط عليها لكي ينجبا طفلا كان من
وجهة نظره قادرا على إصلاح الأمور بينهما و على اثبات حبها له..فمن هي المرأة
التي لا تتمنى أن تنجب طفلا من حبيبها حتى ولو كانت سلطانة أو وزيرة و ليس
مجرد فنانة..تمنى ياغيز أن تقابل هزان رغبته بإنجاب طفل بالقبول و السعادة و
الحب..لكن الع** هو ما حصل..قابلت هزان ذلك بالرفض القاطع متحججة بعملها
و سفرها المتواصل و حفلاتها التي لا تنتهي..و صار موضوع الإنجاب مدعاة
للخلافات و المشاكل بينهما ..كانت هزان ترى في الطفل عائقا أمام اثبات نفسها
و تأكيد نجاحها امام كل من شكك فيها و في صوتها..فيما كان هو يرى فيه اثباتا
لحبها له و لرغبتها في انجاح زواجهما الذي كان يمر بفترة حرجة..فتظاهر أنه تفهم
رفضها و أسبابها و أكد لها أنه يقبل بتأجيل الموضوع إلى أجل غير محدد..و عاد إلى
معاملتها بطريقة رومانسية رائعة..هدايا و ورود و مفاجآت متكررة ..فوجد لديها
تجاوبا معه و بعض العاطفة التي لم تكن تظهرها له إلا في أوقات معينة..تكون هي
الأخرى في حاجة إليه مثلما هو في حاجة إليها..فينامان معا و يتعاشران بصورة
طبيعية..و كانت هي تنسى أحيانا أن تأخذ حبوب منع الحمل فيؤكد هو لها أنه يأخذ
احتياطاته..لكنه كان يكذب عليها..و بعد أسبوعين ..و عندما كانت هزان في جولة
فنية في فرنسا..غابت عن الوعي في إحدى البروفات مع فرقتها..و عرفت من
الطبيب أنها حامل..عقلها لم يستوعب ما حدث معها..و تأكدت أنه فعل ذلك
متعمدا لكي يعيق نجاحها و يجعلها تؤجل أعمالها و ارتباطاتها..لكنها لم تقبل ذلك..و
جاءت الشهرة و الحفلات و الاضواء في المرتبة الأولى كالعادة..فأجهضت الطفل
..قبل عودتها إلى تركيا مطمئنة نفسها بأن ياغيز لا يعلم بذلك..ثم عادت هزان إلى تركيا بعد جولة فنية ناجحة تحدثت عنها الصحافة
بإطناب و بثت بعض المقاطع من الحفلات في التلفزيون..و ذلك ما
أسعد هزان و جعلها تنكب على تحضير ألبومها الجديد بكل اجتهاد
متناسية الإهتمام بياغيز أو بصحتها على الأقل..و بعد يومين من العمل
المتواصل و تسجيل الأغاني..شعرت هزان بارهاق شديد و أصيبت
بنزيف حاد أجبرها على الذهاب إلى المشفى..و لأنها تعلم أنه لا يجب أن
يكون الطبيب سوى شخص موثوق جدا لكي لا يتسرب خبر اجهاضها في
الصحافة..ذهبت إلى صديقتها جيداء..في ذلك الوقت..كان ياغيز ذاهبا
إلى الأستوديو لكي يراها فور عودته من سفره..لكنهم أخبروه أنها
مرضت فجأة و ذهبت إلى المشفى..و لأنه يعرفها جيدا..رجح ذهابها إلى
صديقتها دونا عن أي طبيب آخر..فحصت جيداء هزان و قالت" لم يكن
يجب عليك أن ترهقي نفسك بالعمل بعد وقت قصير من الإجهاض..هل
لدى ياغيز علم بذلك؟" أجابت" لا..و لن أخبره..لا أريد أطفالا في الوقت
الحاضر..مستقبلي الفني أهم..لا أستطيع أن أجازف بكل ما حققته في
هذا الوقت القصير..الحمل و الإنجاب سيجبرني على الإبتعاد عن الساحة
لمدة طويلة بعد أن أثبت نفسي بصعوبة" ابتسمت جيداء و قالت" و
بفضل من أثبتي نفسك؟ أليس من حق ياغيز أن.." قاطعتها بعصبية"
جيداء..أرجوك..على الأقل لا تفعلي أنت ذلك" نظرت إليها و سألت" و لماذا
لا أفعل؟ أنا الوحيدة التي تعرفك جيدا و تعرف لماذا تزوجتي من
ياغيز..لقد خططت لكل شيء و نجحت..ظهرت أمامه و أجبرته على
دعمك مستغلة دعمه للمواهب..ثم استغليتي حبه لكي يساعدك على
ايجاد مكان في الساحة الفنية..على اختيار الكلمات المناسبة لأغانيك و
على تقديمك في البرامج و أمام الصحافة..ثم تزوجته لكي تصبحي ما
أنت عليه اليوم..لن تستطيعي انكار ذلك او انكار فضل ياغيز فيما
وصلت إليه اليوم" قالت" لا انكر..و لن انكر ذلك..انت تعلمين أنني كنت
دائما مستعدة لفعل كل شيء من أجل الوصول إلى القمة و من أجل
الشهرة..نعم..لقد استغليت ياغيز و حبه لي لكي اصبح نجمة تركيا
الأولى..لكن.." و قبل أن تنطق بحرف آخر..فتح ياغيز الباب و دخل و هو
يحملق فيها بعيون دامعة و بنظرة كلها حقد و كره..فماتت الكلمات على
شفتيها..كما ماتت علاقتهما في تلك اللحظة بالذات ..سألها عن الطفل
فلم تنكر أنها أجهضت..لم يستطع تمالك أعصابه بعد الذي سمعه منها..و
بعد معرفته بأنها استغلته..صفعها على وجهها غير آبه بعدسات
المتطفلين الذين صوروا ما جرى..كرامة هزان و مكانتها و رغبتها في
اثبات نجاحها المستقل عنه جعلها ترفع قضية طلاق و تنفصل عنه ثم
تكتم ألمها و حزنها لفراقه و تنكب على اعداد ألبومها و اطلاقه فنجح
بقوة..طلقته..نعم..تخلت عنه قبل أن يصبح هو الآخر عقبة في طريق نجاحها و
شهرتها..لم تتحمل فكرة أن يتحول إلى عائق أمامها في حين كان هو في السابق
صانع نجاحاتها و اسمها..لم تكن جاهزة للتخلي عن كل ذلك من أجله أو من أجل
أن تصبح أما..خوف حياتها الأكبر هو تصبح أما و ألا تكون أما صالحة لذلك الصغير
الذي ستأتي به إلى هذه الدنيا ثم تتخلى عنه و تتركه..و جاء قرارها بالإنفصال عنه
مفاجئا و صادما بالنسبة إليه فقد كان يتوقع أن تركض خلفه طالبة السماح و باحثة
عن فرصة أخرى..كان يتمنى أن تظهر له و لو كذبا أنها تهتم لأمره بعض الشيء و
أنها تكن له شيئا من المشاعر و أن غضبه منها ليس هينا و بلا قيمة لديها..لكن
لا..لقد قررت أن تخذل حبه للمرة الألف..أن ت**ر غروره و تفقده ثقته بنفسه و
بالحب ..أن تستصغره و تحتقر مشاعره و أن تهرب منه بدل أن تهرب
إليه..نعم..إلى تلك الدرجة عشقها و أحبها و رغب من كل قلبه في أن تبادله
مشاعره و في أن يسامحها و يغفر لها رغم الألم و الخذلان الذي أورثته إياه فيما
كانت هي تحب نفسها و شهرتها أكثر من أي شيء آخر..انفصلا..بعد زواج دام ستة
أشهر..كان هو فيها معطاء إلى أقصى درجة و كانت هي أنانية و استغلالية إلى
أقصى درجة..انفصلا..لتبقى هي مع اضواءها و حفلاتها و معجبينها فيما تراجع هو
إلى العتمة حيث الحزن الدفين و الندم القاتل و الجرح العميق الذي لم و لن
يشفى بسهولة..و مرت ستة أشهر أخرى..كانت هي فيها تواصل نجاحها و صعودها
نحو القمة و كان هو يتابع أخبارها و يتذكر كل سيء قابلت به حبه الصادق و كل
خطيئة ارتكبتها في حقه لكي يتمكن من كرهها..كان يحقد عليها كلما رأى
ابتسامتها لأنها نجحت في مواصلة حياتها بصفة طبيعية في حين عجز هو عن
ذلك..فلجأ إلى الكحول كمرحلة اولى عله ينجح في اغراق همومه و نسيان الاذى
الذي ألحقته به ثم تدارك الامر قبل أن يتحول إلى إدمان و ساعدته في ذلك جيداء
بحكم أنها صديقته المقربة و سيفدا التي وجد فيها نقاءا و صدقا و حبا و اهتماما
كان في أمس الحاجة إليهم..تعرف عليها في فترة حساسة و أعادت له الثقة التي
كانت مفقودة لديه..في نفسه..في الحب..في وجود مشاعر صادقة و في امكانية
حصوله على محبة متبادلة..لم تبخل عليه باهتمامها و رعايتها و حبها فأثبتت له انه
..رجل جدير بالحب الصادق و المعاملة الجيدة..