امان ام خيانة

1482 Words
في المساء، وبينما بدأت أضواء القصر تشتعل واحدة تلو الأخرى، دخل السائق من البوابة الخلفية بتوترٍ ظاهر على وجهه. كان دايسيك ينتظره في غرفة مكتبه، يجلس بثقل خلف مكتبه الخشبي الفاخر، ويداه متشابكتان على الطاولة. رفع نظره فور دخول السائق وقال ببرود: "تأخرت كثيرًا... أين هي؟" تلعثم السائق قليلًا ثم قال بصوت منخفض وهو يقترب منه: "سيدي… حصل شيء غريب… هاجمنا رجال ملثمين… أخذوا الفتاة بالقوة، كانوا مسلحين… حاولت مقاومتهم لكنهم أصابوني." ضرب دايسيك الطاولة بقبضته بغضب مكتوم: "تبًا! ومن يكونون؟ هل تتبعك أحد؟ هل رأيت ملامحهم؟" "لا، سيدي… كانوا محترفين، أغلقوا الطريق بالكامل ثم اختفوا بسرعة." أغمض دايسيك عينيه وتراجع بمقعده، يشعر بغليان داخلي، لم يكن الأمر مجرد فشل… بل كان يشبه صفعة مباشرة. في تلك الأثناء، بعيدًا عن القصر… دخل كوان إلى المصنع القديم بصمت، المكان مظلم وبارد، ضوء خافت ينبعث من مصباح صغير معلق بالسقف. في الزاوية، كانت إيرين مربوطة على كرسي، رأسها مائل للأمام، لا تزال تحت تأثير البخاخ المنوّم. اقترب منها بهدوء، جلس على مقعد متهالك أمامها، يراقب ملامحها بصمت، وتفكيره مشوش… "ماذا فعلتِ بي يا إيرين؟…" قالها في نفسه، ثم مدّ يده ببطء وحرّك خصلة من شعرها عن وجهها، ينتظر أن تستيقظ ليخبرها… أن الأمور لن تعود كما كانت أبداً. استيقظت إيرين فجأة، شهقت بقوة وهي تنظر حولها بذعر، عيناها تتفحصان المكان المهجور قبل أن تستقر نظرتها على كوان الجالس أمامها. "أنت؟!" صرخت بصدمة، ثم ارتجف صوتها وهي تحاول النهوض لكن وثاقها يمنعها: "لماذا فعلت هذا؟! هل أنت من خطفني؟!" لم يجبها، ظلّ يحدق في عينيها، نظراته مزيج من الذنب والتوتر. "أجبتني! لماذا ساعدتني ثم تجاهلتني وكأنني لا أساوي شيئًا؟ لماذا تركتني وحدي في وجه شيناي وميون؟!" كانت كلماتها تتطاير بغضب مكبوت، وصوتها يرتجف من الخوف والخذلان. اقترب منها قليلًا وقال بهدوء غريب: "إيرين… أنا أنقذتك، صدقيني. دايسيك خطط لاختطافك… وربما لقتلك. كنت أراقبك… أرسلت رجالي لإحضارك قبل أن يصلوا إليك." لكنها لم تصدقه على الفور، نظرت إليه بعيون دامعة وصوت م**ور: "توقفت عن حمايتي منذ بدأت أضعف أمامك… منذ بدأت أصدقك…" ثم نظرت في الأرض وتابعت: "أنت أيضًا تخلّيت عني." كان كلامها كالسهم، جعل كوان يشد قبضته، ثم وقف فجأة وأدار ظهره، قبل أن يتمتم بنبرة مشحونة: "أنا… خائف." استدارت إليه بعينين متسعتين، لم تتوقع منه ذلك الرد، لكنه التفت نحوها مجددًا وقال: "خائف عليكِ… وخائف منكِ…" صمت بعدها، بينما عيناه تقولان أكثر مما يعبر به لسانه. صرخت إيرين بقوة، صوتها يرتجف من الغضب والخوف: "أنت تخطفني! أنت تربطني كالمجرمين!" كانت عيناها مليئة بالدموع، لكنها كانت أكثر غضبًا مما هي خائفة. حركت يديها المحكومة بالقيود بعنف، تحاول الهروب من القيود التي كانت تكبل معصميها. رد كوان بصوت هادئ لكن حاد، نبرة غريبة ومؤلمة تختبئ خلف كلماته: "متى سيتوقف فمك الصغير عن الثرثرة؟" كان صوته باردًا، كمن يواجه حقيقة قاسية لا يستطيع الهروب منها. كان يبتعد عنها قليلاً ثم يعود ليقف أمامها، عينيه مشدودتين إلى عينيها مباشرة. "لن يسمعك أحد هنا، لا أحد يعرف أين أنتِ. وربطتك كي لا تهربي." ابتسم بخفة، لكنه لم يكن مبتسمًا في الواقع، كانت ابتسامته قاسية ومليئة بالندم الخفي. "عمي شخص جاد وغير سهل. وأنا أنقذتك من يديه." كانت كلمات كوان تقطع قلب إيرين، جعلتها تشعر بشيء من التشتت، فقد كانت قد بدأت تظن أنها قد تكون في قبضة عدو آخر، لكنها الآن تواجه الحيرة. لماذا يفعل هذا؟ لماذا يربطها كالمجرم بينما هو يقول أنه ينقذها؟ "ماذا تعني بكلامك هذا؟" همست إيرين، عيناها تتسعان للحيرة، لكن الغضب كان لا يزال يحركها، فزعها لم يقل بعد. "أنت تقول أنك تنقذني؟ هل هذا هو الإنقاذ؟ هل ستظل تلاحقني بهذا الشكل؟ تربطني و تحبسني وأنت الآن تتحدث عن عمك؟!" حاولت استجماع نفسها، لكن الغضب الذي يشتعل في قلبها كان أكبر من أن تحتويه. "أنت لا تعني لي شيئًا، كوان، ولا أريد أن أكون في هذا الموقف. إذا كنت حقًا تنقذني، فماذا عن كل الأذى الذي تلحقه بي؟" لم يرد عليها فورًا. ظل واقفًا أمامها، صامتًا لوهلة، ثم قال أخيرًا، لكن كلماته كانت باردة كالجليد: "أنتِ لا تفهمين. أنا لا أحتاج لتفسير لكِ. أنتِ في أمان الآن، وهذا هو كل ما يهم." لكن إيرين لم تستطع تقبل ذلك، كانت مشاعرها متناقضة، بين الإحساس بالخيانة والخوف من المجهول الذي يحيط بها. "أمان؟ أمان!" ضحكت بخفة، ساخرة من نفسها أكثر من أي شيء آخر، ثم أضافت بصوت م**ور: "أنت تجعلني أشعر أنني في أسوأ مكان في حياتي!" ثم بدأت تغمض عينيها، محاولة كبح دموعها، بينما كان كوان ينظر إليها بعمق، محاولًا إخفاء التوتر الذي يشعر به هو الآخر، لكنه ظل صامتًا، غير قادر على الرد عليها كما يجب. نظر كوان إلى إيرين بعينيه التي كانت تحمل الكثير من الحسرة والقلق، شعر بثقل كلمات كان يود أن يقولها لها، لكنه كان يعلم أن كلمات الاعتذار لا يمكن أن تصلح ما فعله. اقترب منها ببطء، ثم تن*د عميقًا قبل أن يتحدث بصوت هادئ وحزين. "أنتِ لم تفهمين الأمر بعد، أيرين." قالها بنبرة مليئة بالندم. "لقد فعلت هذا لأنني لم أكن أستطيع تحمل فكرة أن أتركك في يد عمي. هو شخص خطير جدًا، وكل ما كنت أفعله كان لحمايتك." كان القلق يطفو على ملامحه، كما لو أنه يحاول إيجاد الكلمات المناسبة ليشرح لها السبب وراء كل هذا. "أنتِ بالنسبة لي لا شيء أكثر من شخص يحاول النجاة. عندما علمت أن عمي يخطط لفعل شيء سيء بك، لم يكن لدي خيار آخر. لم أستطع أن أتركك هناك في خطر. كان علي أن أتدخل، حتى وإن كنت أكره ما فعلته." وقف كوان أمامها، يديه مشدودتين إلى جانبيه، وعيناه لا تترك عينيها لحظة. "أنتِ لا تعرفين كيف كان قلبي يتسابق في تلك اللحظة. كنتُ أعتقد أنني ربما أضيع كل شيء، لكن لم يكن لدي خيار. لم أستطع أن أتركك وحيدة. على الأقل هنا، أستطيع أن أضمن أنكِ بأمان." كان صوته يلين مع كل كلمة، وعيناه تلمعان بالحزن. "أعرف أنني أخطأت في ربطك بهذا الشكل، لكنني كنت أفكر فقط في كيفية إبقائك بعيدة عن الخطر." لحظة صمت مرّت بينهما، كان كوان يراقبها كما لو أنه ينتظر ردًا منها، يحاول أن يقرأ ما في قلبها. "لم يكن لدي نية لإيذائك، أيرين. بل على الع**، كنت أحاول حمايتك. أعرف أن ما فعلته قد يكون مروعًا بالنسبة لكِ، لكن أرجوكِ، صدقيني، أنا فقط أردت أن أضمن سلامتك." إيرين كانت تنظر إليه بصمت، كلماتها توقفت في حلقها. لم تكن تعلم ما الذي يجب أن تشعر به، هل كانت خائفة أم غاضبة أم ربما في منتصف الطريق بينهما؟ كانت مشاعرها مختلطة، وبينما كان كوان يقف أمامها بوضوح وقلق، شعرت بشيء من التشتت، لكنها لم تستطع إنكار أنه كان حريصًا عليها بطريقته، حتى وإن كانت طريقته خاطئة. "لماذا لم تخبرني بكل هذا من البداية؟" همست أخيرًا، وكانت في صوتها هدوء، لكن كان هناك نوع من الألم. "كنت سأفهمك. لكنك اخترت أن تفعل كل شيء دون أن تخبرني، وها أنا هنا... مربوطة، وكأني أعيش في كابوس." أجابها كوان بنبرة منخفضة: "لقد كنت أعتقد أنني إذا أخبرتك في البداية، قد ترفضين مساعدتي أو تظنين أنني أتدخل في حياتك أكثر من اللازم. لكن عندما عرفت أن عمي يخطط لذلك، لم يكن لدي وقت." ابتسم بشكل مؤلم وهو يقترب منها خطوة، لكنه حافظ على مسافة بينهما. "أريد أن أساعدك... أريد أن أكون معك في كل خطوة تخطينها، لكنني فعلت ذلك بطريقة خاطئة. وأعرف أنني أثقلت عليكِ كثيرًا." أيرين كانت تنظر إليه، تتأمل ما قاله، وكان الألم الذي في عينيه يجعلها تشعر بشيء من التردد. لكنها كانت تعرف أنها لم تكن في وضع يسمح لها بالرفض التام بعد كل ما حدث. بعد أن فك كوان يديها بحذر، نظر إليها بنظرة حادة، ثم قال بهدوء، ولكن بنبرة غير قابلة للرفض: "عليكِ البقاء هنا حتى ينسى الجميع ما حدث. لا أريدكِ في خطر مرة أخرى." كان صوته منخفضًا، لكنه مليء بالتصميم. شعر كوان أنه لا بد أن يحميها، حتى لو كان ذلك يعني إبقاءها في هذا المكان المؤقت، بعيدًا عن الأنظار. ثم أخرج كيسًا صغيرًا من الطعام الجاهز، وضعه أمامها على الطاولة الصغيرة. كانت الوجبة بسيطة، لكنها كانت قد أعدت بشكل جيد. "تناولي هذا." قالها بصوت غير عاطفي، ثم أضاف "لا تخرجي من هنا. الأمور ستكون على ما يرام." عندما أغلق الباب خلفه بقوة، كانت إيرين جالسة في الظلام، عينيها تملؤها مشاعر مختلطة. كان الغضب يشتعل في قلبها، لكن شعور آخر، ربما كان من الأمان، بدأ يعترش في أعماقها. في النهاية، كانت لا تزال غير قادرة على فهم كل ما يحدث، لكن قلبها كان يقول لها أن كوان كان يحاول حمايتها بطريقة ما. عاد كوان إلى القصر في اليوم التالي، وهو يبدو وكأنه عاد من مهمة روتينية، رغم أن قلبه كان مليئًا بالقلق. دخل غرفة الطعام، حيث كان الجميع جالسين، وسألهم بصوت بارد، وكأنه لم يكن جزءًا من كل ما حدث: "هل حدث شيء غير عادي؟" توقف الجميع عن الحديث للحظة، وكان دايسيك يراقبه بتوجس. بدا كوان هادئًا للغاية، وكأن كل شيء عاد إلى طبيعته بالنسبة له، لكنه كان يشعر بضغط داخلي يعصف به. كانت شيناي تنظر إليه بحذر، لكن لم يبدُ أنها شكّت فيه، على الرغم من أن شكوكًا قد بدأت تساورها. "لا شيء مهم، كل شيء على ما يرام." قال كوان ببساطة، وهو يختار هذه الكلمات بعناية، محاولًا إخفاء أي أثر من التوتر أو القلق الذي كان يشعر به. كان يعلم أن الشكوك قد تزداد إذا بدا متوترًا. بينما كان الجميع يتابعون الحديث حول المواضيع اليومية، كان كوان يحاول أن يطمئن نفسه على وضع إيرين. كان يفكر في ما إذا كانت قد تناولت الطعام، وإذا كانت بخير، وإذا كانت ستظل بأمان حتى يهدأ كل شيء.
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD