عندما تشتد الامطار و يعلو ضجيج الرعد لن يخطر على بالك سواها , هذا الملجأ الوحيد الذي
تمارس به طفولتك المرتعدة و تنهار احجار قلبك الصلبة إلى فتاتٍ من الحنين و الراحة فإن كنت
اسوء شخصٍ في هذا الكون سيوجد شخصٌ ما يؤمن بك و يدعمك حتى ولو كرهتك البشرية جمعاء
, لا يتم البحث عن هذا الشخص بل هو من سيجدك بدفئ ضمته.
هذه ملكية خاصة , خطوة اخرى و سأبني نفقاً في راسك
نطق بهام مانزو و هو يتطلع إلى هذا الشبح المتقلص , ثم اعاد مره اخرى : من انت ؟
اقترب هذا الشبح اكثر فاكثر, فهم مانزو باطلاق تهديدٍ اخر لولا أن اوقفه صوتٌ مألوف قائلاً بسخرية :
فلتهدد بلغة يفهمها الاخرون هنا , مانزو .
ابتسم مانزو من تلقاء نفسه بمجرد ان لامس الصوت اذنيه وهو يقول: ريان , لما اتوقع مجيئك في هذا الوقت
المتاخر لم نرسل لاحضارك ؟
ابتسم ريان قائلاً: و هل يجب ان اتلقى دعوه للقدوم إلى هنا ؟
ازاح مانزو بندقيته بعيداً و هو يمد يده إلى ريان مصافحاً وهو يقول: بالطبع لا يارجل هذا بيتك في اي وقت .
تشبث ريان بيده ثم جذبه بقوة و ربت على ظهره بحميمية و هو يقول : اعلم يا ش*يقي .
بدا للرجال من حولهم ان هذه العادة مألوفه لهم , فقد كان هذا الرجل فقط هو من يبتسم زعيمهم تلقائيا
عندما يراه على ع** مزاجه الضجر دائماً و الرغبة الملحه في تهشيم الرؤوس من حينٍ لاخر .
مانزو ايها اللعين ابتعد عنه , هذا الرجل لي فقط
تعلقت ابصار الاثنين بماريا ذات الملابس الداكنة تماماً التي تبدو مثل عصابات الدراجات ....
مانزو : هل انت ذاهبه إلى مكانٍ ما دونه ماريا ؟!
ابتسمت ماريا و هي ترمق ريان بنظرة لا يفهمها سواهما: بالطبع فهذه الاجواء البارده لا تصلح سوى
لشيئٍ واحدٍ فقط .
ابتسم ريان و هو يقول : اين هي ؟
- في الخلف تنتظر من يمتطيها .
جذبها ريان من ذراعها و هو يقول : ماذا ننتظر , هيا بنا .
ثم رمق مانزو و هو يقول: اراك لاحقا يا ش*يقي .
مانزو بسخرية مرحة: اتلهف لذلك .
اتجه الاثنان إلى باحات المبنى الخلفية ليستقرو امام دراجة نارية من النوع الايطالي , فامتطاها ريان
و تتشبث به ماريا , لتص*ر الدراجة صريراً عاليا ثم تنطلق بكل سرعتها تشق الطرقات و الامطار وسط
صرخات مجنونة من الاثنان كأنهم يخرجون ألامهم المتراكمة في هذه الصيحات الجنونية .......
استمرا في هذا الوضع حتى هبطت حدة الامطار قليلاً فتوقفا على هذا الجسر الممتد الذي يطل على
النيل مباشرة .....
لن امل من هذه العادة مطلقاً
نطقت ماريا بهذه الكلمات فتبسم ريان قائلاً: تتذكرين في بادئ الامر كنا مُطاردين في هذه الطرقات تتبعنا العشرات من سيارات المافيا.
تأملت ماريا المياة بنظرات الحنين و هي تقول : كنا نبحث عن مأوى يحمينا من البرد ولم نجد فصرنا
نستمتع بهذا الامر .
تأمل ريان النهر ب**ت كأنه يغوص في عالمٍ اخر ....
لاحظت ماريا البريق الحزين في عينيه فتسائلت بخفوت:انا اعلم هذه النظرة جيداً , ماذا حدث؟
= أتظنين الموت ذو برودة مألوفه كهذه أم انها برودة وحشية , احيانا اتمنى ان اجرب هذا الشعور .
ماريا : من يدري فقد تموت حرقاً .
ضحك ريان ثم قال : انعدمت الرغبة لدي , كم هو جميل ان تكون حياً , فلنذهب لإغاظة بعض
الأموات.
ضحكت ماريا ثم قالت : ما هو الشيئ اللعين الذي يحزنك هكذا يا عزيزي .
ريان ضاحكاً : لا شيئ فقط احرقت بعض الاشخاص في طريقي إلى هنا .
ماريا بدهشة : حقاً!! , من ؟
= رجل الاعمال الشهير موريس و رجاله .
- بماذا تشعر الان ؟
= بالبرودة على ع**هم .
بصقت ماريا في مياة النهر و قالت : لا تزعج نفسك , فقط ذهبوا للجحيم جميعاً ولا توجد تذكرة اياب
من هناك .
= ليس هذا ما يزعجني , انا فقط لازلت استمع إلى استغاثاته في اذني , ليس هو وحدة بل كل من
دعست عليهم بقدمي يأتون لزيارتي في هذه اللحظة .
اخرجت ماريا قنينة من جيب سترتها و مدت بها إلى ريان و هي تقول : ألازلت ترفض هذا ؟
تأمل ريان القنينة لعدة ثوان كانه يشاور نفسه ثم ازاح نظرة صوب مياة النهر قائلاً: لا اريد ان اقضي على
ما تبقى من بشريتي , فهذا الشعور بالالم هو ما تبقى لي من ذاتي , بدونه سأصير مسخاً لا يمكن
السيطرة عليه .
ماريا و هي تجذب غطاء القنينة : لماذا تعذب نفسك من اجلهم مالفائدة من ذلك ؟
و قبل ان ترشف منها جذب ريان القنينة من يدها ثم احتضنها بقوه قائلاً: هذا فقط ما احتاجه .
**ت الدهشة ماريا بالكامل قبل ان تخر القارورة من يدها و تحتضنه بدورها و هي تربت على ظهره
قائله : اهدئ يا صغيري فأنا هنا دائماً لاجلك .
خيم ال**ت على ريان و اكتفى بالرد عليها بعناقٍ اشد من ذي قبل كأنها يُدخلها إلى قلبة لتهدئ لهيبه
الموقد و تُذهب عنه هذا الضيق الذي اصابه لتفسح لقلبه المساحة الكافية للطرق باسمها من جديد .
و بعد مرور عدة دقائق تركها ريان قائلاً: هذا هو مشروبي الروحي الذي انسى به كل شيئ .
احمرت وجنتيها قبل ان تدمع عينيها و تتشبث به هذه المره و هي تدفن نفسها في ص*ره الدافئ بل**ن
حالٍ يقول لا تهتم يا عزيزي و اعطني ما تبقى من ألامك فالابتسامة الهادئة التي تمتاز بالصفاء هي
ما تليق بك .
ربت ريان على راسها بحنان و هو يقول مازحاً: ماذا بك ايتها الحمقاء انا من يعاني هنا؟
ماريا ضاحكة و هي لا تزال ساكنة بين ذراعيه: لقد عانيت بما يكفي هذا دوري الان .
ضحك ريان ثم حملها بذراعيه و هبط بها ارضاً حتى صارت متكئه بالكامل على ص*ره و هو يقول
مازحاً : تعلمين في هذه البلد إن رأنا احدٌ هكذا سيتصل بالنجدة و التدخل السريع و المطافئ .
طبعت ماريا قبله على وجنته و هي تقول بتحدٍ : سحقاً لهم .
ضم ريان راسها إلى ص*ره اكثر و احتضنها و اغمضا عيناهما لعدة دقائق اخرى إلى أن جائت هذه
الامطار اللعينة لتفض بينهما فيعودا إلى الدراجة مره اخرى و ينطلقون بسرعتهم الكامنه بينما اختلطت
الامطار بالخمر المتدلي من القنينة ليزيد انتشارة كبقعة دماء عملاقة تدل على مقدار الالم الذي تركاه
خلفهما و هما يحلقان للامام سوياً في صراعٍ طويل الامد مع القدر ......