-هل يستغرق كل هذا الوقت عادة ؟
اومأ ادريس براسة و هو يتطلع إلى ريان الذي يجوب المكان جيئاً و ذهاباً: لا , نحن نفعل ذلك عند
بداية كل معركة فقط .
ادريان بتهكم: معركة !!
رمقة ادريس بنظرة جانبية قائلاً بسخط: لماذا احضرك إلى هنا بحق السماء؟
هز ادريان كتفاه مجيباً بحيرته المعتادة: لا اعلم , كنت ماراً في سبيلي فاستمعت إلى بعض الطلقات النارية الصادرة من احد الاماكن , فذهبت
لاستطلع الامر فوجدت صديقك يتطلع إلى السقف ويلصق السلاح براسه .
ادريس بدهشة ممزوجة بالاستنكار: لماذا سيلصق ريان مسدساً براسه ؟
-وما ادراني انه هناك فلتذهب لاستجوابه .
استشاط ادريس غضباً من طريقة ادريان المستفزة, و هم باعتصار عنقة لولا ان اوقفه صوت اجش
قائلاً : ادريس من هذا الرجل ؟!!
ادريس بحنق : لعين ما اُلقى علي من حيث لا ادري .
تقدم الرجل الثلاثيني عريض المنكبين فارع الطول ذو الشعر البني المسترسل و الملامح الهادئة تحيط به هالة سوداء عملاقة تنبئك بالشؤم من التعامل مع
هذا الرجل: تريدني ان اتعامل معه؟
ادريس وهو يكبح غضبه بصعوبة: ليس الان ربما لاحقاً .
اكرم هل انتهى الامر ؟
التفت الرجل إلى ريان الذي يمضغ العلكة كعادته وهو يتقدم صوبهم فأجابه: أجل؛ تاكدت من جميع الموردين
في الميناء .
ادريس: مالذي يحدث ؟!
جهر صوت ريان فجاةً و هو يبسط يديه بطريقته الاستعراضية المعهودة و نبرته الساخرة المرحه: ايها السادة فليبدء الحفل .
و بمجرد ان انهى كلماته انتفض الجميع من اماكنهم و التقطوا معاطفهم للوقاية من الامطار ثم هموا
بمغادرة المكان في حماس رجال العصابات وليس كموظفي شركة تحترم نفسها, عدى ثلاثة افراد ظلو في
اماكنهم رفقة ادريان و اكرم و ادريس .
من تبقى هنا فليعلم انه قد اكتسب ثقتي المطلقة فلا يخذلني احدكم و إلا قتلته.
نطق ريان بهذه الجملة ثم بصق العلكة من فمه و ألقى بجسده على احد المقاعد القريبة و رفع كلتا قدميه على سطح المكتب
امامه و هو يردف بتململ: في البداية , هذا ادريان لا تعلمون عنه شيئاً و هو كذلك لا يعلم عنكم
شيئاً فلتخبروه اذاً بكل شيئ .
حل ال**ت برهة إلى ان اقترب احد الاشخاص الثلاثة من ادريان و البسمة الزائفة تعلو وجهه في
حين بدى عليه ملامح المكر و الدهاء و زادها انفه المدبب و شعره الاسود الذي بدء يغزوه الصلع :
مراد , مدير قسم الموارد البشرية في هذه الشركة و قاتل مأجور بعد منتصف الليل .
صافحه ادريان بفتور و قد انتابه هذا الشعور المفاجئ بالتحفز و القشعريرة بمجرد ان لامس يده ....
-دينا , مديرة قسم تكنولوجيا المعلومات في هذه الشركة , و قرصانة الكترونية بعد فترات العمل.
التفت ادريان إلى الفتاة ذات البشرة البيضاء والشعر الاسود المسترسل و الوجه الذي حولته
مستحضرات التجميل إلى اقرب ما يكون بعبدة الشياطين فتسائل بنبرة خالية من التعابير: كم عمرك ؟
دينا بعبوث: 20 عاماً , هل ستتقدم لخطبتي ؟!
تصاعدت ضحكاتهم الصاخبة من بينهم ريان الذي قال بصوتٍ متقطع بسبب ضحكاته: اعتذر ياصديقي
عن التسبب باحراجك لكن لم يكن من الضروري ابداً ان تبدا حديثك في هذه الشركة مع هذه الفتاة .
دينا بنبرة باردة كالثلج: ماذا تقصد ؟
= لقد كان يجب ان يقوم بالاحماء مع ادريس ثم اكرم قبل ان ينتقل إلى الحديث معك .
ادريان : فعلت هذا بالفعل .
ريان ضاحكاً:لم يكن كافيا ....
ثم اشار إلى اخر الاشخاص قائلاً: احمد فلتقدم نفسك .
تقدم الشاب الاشقر الذي زينت بعض نقاط النمش وجهه و قال بلهجة شامية مرحة: انا احمد مدير قسم التسويق و العلاقات العامة ولا افعل شيئاً بعد منتصف الليل.
تعالت الضحكات مره اخرى , إلى ان قاطعها ريان قائلاً: تعلمون جميعاً ما نسعى إليه , لن يوقفنا احد
من النمو و الانتشار في شتى بقاع مصر وفي مختلف الاسواق , و يوماً ما سنتذكر جلستنا هذه و نحن
نوشك على الافتتاح الكبير .
ادريس : اتمنى الا ياتي إلينا الحقراء يومياً ليصيروا جزءاً من الفريق .
التفت إليه ادريان ورمقه بأعين فارغة خالية من اي شيئ , فابتسم ادريس بسخرية قائلاً: ماذا ,
هل اغضبت الجرو الصغير ؟
ظل ادريان يتأمله برهة ثم اشاح بصره عنه كأنها كانت مجرد نظره عابرة خالية من اي شيئ ,
مما جعل ادريس ينفجر غضباً و يجذبه من ملابسه بقوة ثم يستقبله بلكمه ساحقة في وجهه و هو يصيح:
هاااا اين ذهبت برودتك ال.....
تسمر ادريس مكانه حينما وجد الدماء تتفجر من انف ادريان لكن نظرته لم تتغير مطلقا كأن شيئا لم
يصبه ....
اقدم لكم فرد العائلة الجديد ادريان, يمتلك مستشعرات ألم خاملة لدرجة اني هشمت ذراعه بنفسي
لكنه نظر إلي شزراً قائلا هذا كل شيئ ايها الحقير.
قال ريان عبارته بطريقة دعائية فتعلقت ابصار الجميع بادريان , بينما افلته ادريس من يده و الدهشة لم تفارق عيناه ......
اكرم و هو يمسك بذقنه مفكراً: اذاً انت لا تتصنع التبلد بل انت كذلك بالفعل ؟
ألقى ريان قطعة قماشية إلى ادريان و هو يقول : نعم , و كالعادة لا اعلم عن ماضيه شيئ او
عن حالته المرضية هذه بل اعتبره شخصاً جديداً منذ ان خطت قدماه هذه الشركة .
تناول ادريان قطعة القماش التي تناولها من ريان و جفف بها انفه بهدوء شديد كأنه لم يصبه شيئ .
= الان فلنعد إلى العمل , لقد ارسلت لكلٍ منكم بريداً يحتوي على عدة خطوات اريدكم ان تسيرو عليها ,
ولن نجتمع مجددا سوى عند الانتهاء منها , لكن اريدكم ان تبلغوني بالنتائج و بكل شيئ يحدث معكم
خطوه بخطوه .......
ثم هم واقفاً و جذب احد ادراج المكتب امامه و اخرج منه زجاجات مياة غازية و ألقاها للجميع
قائلاً: لنشرب نخب احتلالنا للسوق .
اقترب الجميع منه في حركة غريزية عدى ادريان الذي وقف يحملق بالجميع ب**ت ......
على صوت قرع زجاجتهم بقوه ثم شربوها جميعاً في رشفة واحدة, و رفعوا زجاجتهم تحية للجميع
و هموا بالانصراف, عدى ادريان الذي لم يتلقى شيئ و دينا التي جلست على مقعدها امام الحاسوب
تداعب خصلاتها .
إلى اين ذهبوا ؟
اخرج ريان مفتاح سيارته من جيبه و ألقاها صوب ادريان و هو يجيبه : لكل واحدٍ منهم البيئة التي يبدع
بها , لذلك اترك اختيار بيئة العمل لهم .
تلقفقف ادريان المفتاح قائلاً بتوجس: ماذا الان؟!
ريان : لا تشعر بالخوف اليس كذلك ؟
ادريان : اجل .
برقت عينا ريان: اذاً , اريدك ان تقود بنا بسرعة الضوء .
تبعه ادريان: إلى اين ؟!
ريان : اريد ان اتامل مياة البحر قليلاً .
-في هذه العاصفة ؟!
ابتسم ريان قائلاً: و هل يوجد وقت افضل من ذلك .
ثم تناول سترته و هم بالولوج إلى سيارته .......
تخطت السيارة سرعة ال 180 و ريان يخرج راسه من النافذة وسط الامطار و نفحات الهواء الباردة
تداعب وجهه , وهو يصرخ بجنون و استمتاع حتى بدى كأحد الشبان الطائشين الذين لا يحملون هم شيئ و يعيشون الحياة بلحظتها فقط ......
ستصاب بنزلة برد تلقيك في الفراش اسبوعاً على الاقل.
عاد ريان إلى داخل العربة و هو يقول ضاحكاً: لكنني لن اصاب بها الان , فلاستمتع قليلاً اذاً.
ادريان بسخرية: من انت بالضبط , مديراً في شركة ام رجل عصابات ام شاب عشريني طائش ؟!
ضحك ريان قائلاً: انا عدة اشخاص في شخصٍ واحد و لكل شخص لحظته التي يجب ان يظهر بها .
رفع ادريان حاجبيه بعدم اقتناع, لكنه شعر بداخله انه يألف هذا الشخص و يعرفه منذ امدٍ بعيد , بل انه
لا يشعر بهذه الحواجز التي يبنيها عندما يخاطب البقية, من هذا الشخص الذي لم يمضي على معرفته
ساعاتٍ معدوده و يشعر كأنه يعرفة منذ زمن, هل هو طبيب نفسي يحاول السيطرة عليه ليجعله يعمل
لصالحة ........
= اجل .
التفت ادريان بنظرة جانبية إلى ريان الذي قاطع تسلسل افكاره: ماذا ؟
= اريدك ان تعمل معي , لكن ليس رغما عن طاعتك, بل اريدك ان ترغب بذلك .
-انت تستغلني ؟
رمقه ريان بنظرة تحدي و ابتسامة الثقة تعلو وجهه: هل سيضرك هذا؟
-لا اعلم , ما رايك انت ؟
= انت لا تهتم بالسيطرة على السوق او اي من هذه الاشياء التافهة, لكنك ستجد البيئة المناسبة التي
تتقبلك بعيوبك و تعينك على النهوض اذا تعثرت .....
ثم اخرج علكة من جيب سترته و هو يسطرد قائلاً: هل رايت احداً طبيعي في ايٍ من هؤلاء الحمقى ,
الجميع رُفضوا من الحياة ولم يقبل بهم احد , ولاسبابٍ تافهة , لماذا ترفض من وظيفة لانك لا تجيد لغة
ما او لا تتمتع بالمهارات الاجتماعية المطلوبة , مادمت تبرع فيما تجيدة فحسن مظهرك هو حريتك
الشخصية .
-حقاً لا احد طبيعي منهم لكن لا يوجد هناك احد مثلي, على الاقل هم يشعرون بالسعادة و الحزن
و الرغبة اما انا فلا اشعر بشيئ .
= توقف هنا .
اوقف ادريان السيارة على احد جوانب الطريق , ثم هبط منها يتبع ريان الذي توقف امام شاطئ البحر
مباشرة ثم اف*ج عن ذراعيه كأنه يحتضن الهواء و هو يقول: انا لست طبيباً , لكن كونك لا تشعر
بالالم لا يعني بالضرورة انك لا تشعر بشيئ , هنالك خياران لك فقط لا ثالث لهما , إما ان تفخر بنفسك
و تعيش كما انت وترتدي عيبك كدرعٍ لك او توهم نفسك بالعجز إلى الابد .
تأمل ادريان امواج البحر العاتية اثر العاصفة و قد تبعثرت كل افكاره و نظراته إلى نفسه , هل يمكن
ان يتغير هذا يوما ما , هل المصير المحتوم قابل للانثناء حقاً ام اننا نوهم أنفسنا بذلك فقط ؟
-لا تفكر بشيئ فانا لم احصل من اي منهم على اجابة بعد اريدك ان تعيش اللحظة فقط , فلتستمتع.
ولاول مره يفكر هذا الطائر الحبيس على ع** سجيته و يفتح جناحيه للحياة صافي الذهن دون ان يفكر
بشيئ .
***