الفصل الثالث

1801 Words
ابتعد أمين و بقيت هزان واقفة في مكانها تنظر إليه دون أن تنزل دمعة واحدة من عينها..واصل أمين دعاءه على هزان و شتمه لها رغم أن ياغيز أفهمه الموقف و شرحه له..تعلقت عينا ياغيز بهزان..تأملها مطولا..تقف بثبات..جسدها يختلج و نظرها مسمر ناحية والدها..لكنها لم تبكي و لم تنطق بكلمة واحدة..قال" سيد أمين..أرجوك أن تهدأ..أريد منك أن تفهم أن ابنتك بريئة و أن تتوقف عن الدعاء عليها..و الآن ..تستطيع اصطحابها إلى المنزل" ثم التفت إليها و قال" هزان..أنت حرة..أعتذر عن سوء التفاهم الذي حدث" هزت رأسها و لم تقل شيئا..أما والدها فجرّها من يدها إلى الخارج و اركبها في شاحنته..تابع ياغيز خروجهما و عيناه تنظران إلى هزان..كان هناك في قلبه بعض من الخوف عليها لأنه رأى شدة أبيها و عنفه معها..كما لاحظ تصرفاتها التي تشبه تصرفات الرجال و التي ربما تعمدت أن تقوم بها لكي تحمي نفسها..لم يسبق له أن رأى فتاة تشبهها في طريقة لباسها او كلامها او تصرفاتها..لذلك بقي يفكر فيها للحظات قبل أن يستأنف عمله طاردا إياها من تفكيره..في منزل عائلة شامكران..دخل أمين و أدخل هزان إلى غرفتها و هو يضربها على رأسها و يدعي عليها..اعترضته زوجته نسرين و قالت" ماذا حدث؟ ماذا فعلت هذه اللعينة؟" أجابها امين" لقد فضحتني..دخلت للمرة الأولى إلى المخفر بسببها..و السبب ماذا..تهمة دعارة" ضربت نسرين خدها و قالت" اووه..دعارة..لعنها الله..إلى متى ستبقى هذه اللعينة هكذا؟ إلى متى ستجلب المصائب على رأسنا؟" ..أدخلها أمين إلى غرفتها و أغلق الباب عليها بالمفتاح ثم "التفت إلى زوجته و قال" لا خروج لها من الغرفة..لا أكل..لا شرب..إلى أن أجد حلا"..جلست هزان على حافة السرير ..نظرت إلى وجهها المتورم بآثار أصابع والدها..ضحكت ثم استلقت و أخذت تغني..كانت كلما تعرضت للضرب تغني بأعلى صوتها دون أن تبكي..قلبها تحجر منذ أن ماتت والدتها قهرا من معاملة زوجها السيئة لها..آخر مرة بكت فيها كانت عندما وضعوا والدتها في القبر ..كان عمرها آنذاك عشر سنوات..أخوها يوسف أكبر منها بخمس سنوات..عانى ما عاناه من زوجة أبيه و كرهها له..و مع تقدمه في السن..ترك الدراسة و بدأ بالعمل في محل للحلاقة النسائية..صار مختصا في تصفيف شعر النساء و وضع المكياج لهن..صار يذهب إلى النساء إلى بيوتهن و يجهزهن قبل الحفلات أو المناسبات..اكترى منزلا و حاول أن يأخذ اخته للعيش معه لكن أباه لم يقبل..كان يرسل إليها النقود لكن زوجة ابيها كانت تفتكها منها و تصرفها على نفسها..و لم تكتفي بذلك..بل لم تدع هزان تنهي دراستها فاضطرت للعمل هنا و هناك لكي تتمكن من اشتراء ما يلزمها لأن نسرين تمنع أمين من توفير احتياجاتها..جلس أمين مع نسرين التي قالت" أتريد حلا؟ " أجاب" نعم..هذا أكيد..أريد أن أرتاح منها و من مشاكلها" قالت" يجب أن تتزوج..لا حلّ يريحنا منها و من تصرفاتها الو**ة و كلامها السيء سوى الزواج" قال" و من سيرضى بالزواج من هذه المسترجلة؟ ألا ترين كيف تتصرف و كيف تلبس و كيف تقف؟ أي عريس سيرضى بها و هي على هذه الشاكلة؟" أجابت" العريس "موجود..إنه سافاش ابن اختي.."ابتسم أمين و قال" اذا كان راغبا بالزواج منها فليسرع قبل أن توقعنا في مصيبة أخرى" قالت بخبث" لا تقلق..إنه يريدها منذ مدة..لن يتأخر..سيأتي غدا لتتفق معه على كل شيء" قال" تمام" .. أنهى ياغيز عمله و عاد إلى منزله الذي يكره العودة إليه..فتح الباب فاعترضته مربية إبنته دانا و قالت" لقد تمردت علي كالعادة و رفضت أن تأكل أو أن تلعب..انها في غرفتها" هز رأسه و قال" شكرا ناريمان..أعلم أنكي تتعبين معها جدا لكن ما باليد حيلة..عملي لا يسمح لي بقضاء وقت معها..تفضلي" و مد لها مالا هو أجرتها الأسبوعية مقابل اهتمامها بابنته و قضاء وقت معها إلى أن يعود..غادرت ناريمان فدخل ياغيز غرفة دانا..وجدها تقف بجانب النافذة..فتاة صغيرة ذات شعر أشقر و عينين بلوريتين..تبلغ من العمر ثلاث سنوات..عنيدة و سريعة الغضب..اقترب منها ياغيز و قال بحدة" لماذا لا تطيعين مربيتكي؟ لماذا تفتعلين المشاكل؟" نظرت إليه بحزن و قالت" لا أريد..لا أريد مربية.. أريدك أنت" ابعد ياغيز عينيه عنها و قال" أنت تعلمين أن عملي يأخذ كل وقتي..أرجوك يا ابنتي..كوني مهذبة و تفهمي طبيعة عملي..أعلم انك مازلتي صغيرة لكي تستطيعي تفهم ذلك..لكنني لا أستطيع فعل شيء حيال ذلك" صاحت بوجهه" أريد أمي..أنا أريد أمي..أين هي؟ لماذا لا تأتي لرؤيتي؟ " جن جنون ياغيز و قال بعصبية" أمك لا توجد..انها لم تعد هنا..لا أريد أن اسمعكي تذكرينها..أنا و أنت فقط..هل فهمتي؟" خافت البنت و صارت تبكي بصوت عال..اقترب منها ياغيز و عانقها بشدة..قال" صغيرتي..أنا آسف" عانقته دانا و وضعت رأسها على ص*ره و نامت..وضعها ياغيز في سريرها و جثى بجانبها..لا دخل لها في ما حصل معه..أمها امرأة مستهترة..هربت مع عشيقها و تركته..لم تحبه يوما..لم تحب ابنتها حتى..صار يشك أنها ابنته..من شكه في أمها و تصرفاتها..لم يستطع أن يعوضها عن غياب أمها..يحاول أن يجد لها بعض الوقت لكن عمله يسرقه منها.. في غرفتها..غنت هزان إلى أن غلبها النعاس و نامت..في الصباح..استيقظت على صوت العم عدنان..كان يكلم أباها..قال" أمين..لا تهذي..لا ذنب لهزان..لا ذنب لهزان لكي تحبسها و تضربها..دعها تعود إلى العمل..أنا أحتاجها معي" قال" مستحيل..هزان تركت العمل..لم تعد تعمل لا عندك و لا عند غيرك..و لن تغادر غرفتها أبدا..لن تخرج من غرفتها إلا إلى بيت زوجها" صاح عدنان" ماذا؟ هل جننت؟ عن أي زواج تتحدث؟ هزان لا تريد أن تتزوج..اسمح لها بالعودة إلى العمل و انسى فكرة الزواج..لا تظلمها أكثر من ذلك" قال" عدنان..لا تتدخل أنت..ابقى خارج الموضوع..أنا أحل مشكلتها..هزان ابنتي و من حقي أن أقرر مصيرها..شكرا لك لأنك قبلتها لكي تعمل عندك..هذا فقط..لا داعي للكلام أكثر" وقف عدنان و قال" يا أسفي عليك يا هذا..ظلمت الأم و الإبن و ستظلم ابنتك أكثر من الجميع" ثم مد يده إلى جيبه و أخرج بعض النقود و اعطاها له و هو يقول" هذه أجرة هزان..أتمنى أن تعطيها لها" و خرج..سمعت هزان الحوار الذي دار بينهما فارتعدت فرائصها و أخذت تضرب على الباب بيديها و ساقيها و تصيح" بابا....افتح الباب..افتح..أريد أن أتحدث معك" ..اقترب أبوها و فتح الباب..قال" ماذا تريدين؟" سألت" بابا..هل ماسمعته صحيح؟ هل ستزوجني؟" أجاب" نعم..ما سمعته صحيح..ستتزوجين" قالت" لا..لن يحدث هذا..لا أريد..لن أتزوج" ضحك و قال" ومن طلب رأيكي يا هذه؟ ستتزوجين سافاش ابن أخت نسرين" صاحت" لا..أبدا..لن أتزوج ذلك الغ*ي" صفعها أمين بشدة على وجهها و قال" لن تستطيعين الرفض..أنا قررت و ستتزوجين..سيصل سافاش بعد قليل و سأتفق معه على موعد عقد القران" قالت" أرجوك أبي..لا أريد..أرجوك..أتوسل اليك" دفعها أمين داخل الغرفة و أغلق الباب..بقيت هزان واقفة تفكر و تحاول إيجاد حل..كيف ستنجو من هذه الزيجة؟ انها تكره ذلك الحقير سافاش..لقد حاول الإعتداء عليها سابقا فضربته و هربت منه..لكنه وعدها أنه سيحصل عليها بأية طريقة كانت..و يبدو أن ..ذلك ما سيحدث مع الأسف.. في الصباح..استيقظ ياغيز باكرا..لبس ثيابه و قبّل ابنته النائمة بجانبه..فتح الباب لناريمان و قال" انها نائمة..أنا ذاهب إلى العمل..إذا حصل أي شيء اتصلي بي" قالت"حسنا سيد ياغيز..سأفعل..لا تقلق..انها في أمانتي" ..خرج ياغيز و ركب سيارته و اتجه إلى العمل..في المخفر..استطاع ياغيز اثبات التهمة على الموقوفين لكنهم أبوا أن يعطوه إسم رئيس شبكة الدعارة الذي يشغلهم..تذكر فجأة وجه هزان ففكر في السؤال عنها و الإطمئنان عليها..خرج مع موعد الغداء و ذهب إلى محل البيتزا الذي كانت تعمل فيه..دخل و اتجه إلى عدنان..قال" صباح الخير..هل أنت عدنان صاحب المحل؟" أجاب" نعم..هذا أنا..تفضل سيدي" قال وهو يصافحه" أنا الضابط ياغيز إيجمان..أريد بيتزا لي و للعناصر العاملين معي" سأل" كم عددهم؟" أجاب" خمس عناصر" قال"حسنا سيد ياغيز" و نادى عدنان لصبي يعمل عنده و اوصاه بتجهيز الطلبية..نظر ياغيز يمنة و يسرة ثم سأل" أين هزان؟ " نظر إليه عدنان و قال" هل أنت الضابط الذي ألقى القبض عليها؟" قال"نعم..أنا هو " تن*د عدنان و قال" لقد دمرت حياتها ياغيز باي..منعها والدها من العمل و .." صمت فسأله ياغيز بقلق" و ماذا؟ ماذا حدث؟ ..اكمل لو سمحت" قال" سيجبرها على الزواج من ابن أخت زوجته" وضع ياغيز يده على جبينه و قال" يا إلاهي..ماذا فعلت أنا؟ ...لقد حزنت عليها كثيرا..انها مسكينة" قال عدنان" انها فعلا كذلك" صمت ياغيز و لم يقل شيئا..جهزت البيتزا فأخذها ياغيز و خرج..في منزل عائلة شامكران..وصل سافاش ابن أخت نسرين و دخل و هو يبتسم..قال دون مقدمات" عمي أمين..أنا أريد الزواج من هزان..و أريد أن يكون الزواج في أقرب وقت ممكن" ابتسم أمين و قال" حسنا..يناسبني هذا يا بني..ما رأيك في يوم الخميس القادم؟" أجاب سافاش" هذا رائع جدا..يناسبني ذلك..و أين العروس؟" قالت نسرين" انها في غرفتها..لا "تقلق..سيكون كل شيء على مايرام..ستتزوجها كما كنت تحلم دائما".. .في مكتبه..جلس ياغيز و هو يحاول أن يشغل نفسه عن التفكير بهزان..لسبب لا يعلمه اعتبر نفسه مسؤولا عما حصل و سيحصل لها..لو لم يلقي هو القبض عليها لما ضربها والدها و لما منعها من العودة إلى العمل و لما فكر في تزويجها..لكنه أدى وظيفته ليس إلا..الصدفة هي التي جعلتها تتواجد في تلك الشقة..تذكر شكلها..شعرها الليلكي الطويل..عيناها الواسعتين ..شفتاها الممتلئتين..تصرفاتها المسترجلة..انها مختلفة و مميزة..ألقى ياغيز الملف الذي كان يمسكه في يده و تأفف بضيق و هو يقول في نفسه" لماذا تشغل تلك الفتاة تفكيري؟ لا علاقة لي بها..آسف لأجلها لكنني لا أستطيع أن افعل أكثر من ذلك" رن هاتفه قاطعا حبل أفكاره..قال" نعم..ياغيز ايجمان معك" تكلمت ناريمان مربية ابنته بصوت مرتعش" سيد ياغيز..دانا مختفية..لقد خرجت من المنزل في غفلة مني..بحثت عنها و لكني لم أجدها..أنا آسفة" انتفض ياغيز واقفا و صاح" ماذا؟ ..ماذا تقولين؟ كيف تخرج من المنزل دون أن تنتبهي إليها؟ إلى أين يمكن أن تذهب؟ انا قادم..واصلي البحث إلى أن أصل" ..في غرفتها..ضربت هزان على الباب و صاحت" بابا..افتح لي..أريد أن أخرج..تمام..قبلت أن أتزوج سافاش..قبلت و انتهى الأمر..نسرين..افتحي الباب" ..لم يجبها والدها لأنه خرج إلى المقهى صحبة سافاش..اقتربت نسرين من الباب و قالت" هل وضعتي عقلكي في رأسكي ياهذه؟" قالت" نعم..افتحي الباب" قالت" عديني ألا تفتعلي المشاكل" ضربت الباب بساقها و قالت" حسنا..وعد..افتحي" فتحت نسرين الباب و هي تبتسم ابتسامة تشفي و شماتة ..اقتربت منها هزان و قالت" سلمي على والدي و قولي له هزان تفضل الموت على الزواج من ذلك الغ*ي" و ضربتها بقبضة يدها على رأسها فوقعت على الأرض مغمى عليها..أما هزان فركبت دراجتها النارية و قادتها مبتعدة عن منزل والديها بعد أن أخذت حقيبة صغيرة وضعت فيها بعض الثياب و بعض النقود و ..صورة أمها و أخيها يوسف..
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD