الفصل ٩

1944 Words
دخل الإثنان و هما يمسكان بيدي بعض، و يسحبان الحصانين معهما إلى الداخل، فبدأ الشق ينغلق من خلفهما شيئا فشيئا. تمتمت وردة لنفسها وهي تراقب الأرض تعود إلى سابق عهدها، - عجيب! ابتسم تاج وهو يتأمل ملامحها المدهوشة، - العجيب يقع في نهاية هذه السلالم. التفتت إليه، فأشار إلى نهاية الدرج، حيث بدى لهما نور خفيف يتسلل من تحت باب ضخم، و من جوانبه. و ما هي سوى بضع درجات، حتى وقفا أمام مصرعي باب ذهبي، عليه نفس الرموز الغريبة التي كانت محفورة على الأرض. مد تاج راحة يده إلى نفس الرمز الذي بدأ به قبل قليل، فسطع نورا، ثم استمر في المسح على الرموز بنفس الترتيب الذي اتبعه لفتح النفق، فسطعت كل الرموز ضوءا، و بدأ مصرعا الباب يتحركان، ثم انفتحا و كشفا عن حديقة شاسعة، عجيبة الجمال. اتسعت عينا الأميرة وهي تحاول استيعاب المنظر الذي أذهب بعقلها. دخلت وهي تتفحص السقف حيث تتدلى شجرة ضخمة، جدعها خارج من السقف، و أغصانها إلى الأسفل تحمل مصابيح و فوانيس تضيئ المكان بأسره. كانت الشجرة أشبه بثريا عظيمة متقنة الصنع. ثم نظرت حولها و هي تسير على العشب، لترى جميع أنواع النباتات و الأزهار و الورود، التي تعرفها و التي لم يسبق لها أن رأتها، و أشجارا تحمل بين أوراقها مختلف أنواع الفواكه. وطأت قدمها أرضا رخامية تحيط بها أعمدة طويلة منقوشة، ثم تقدمت نحو نافورة بديعة، تتوسط الحديقة، و تملأ المكان بصوت خرير المياه، و حولها على الأرض وسائدة مطرزة، و أرآئك راقية الصنع مرصعة بلآلئ كأنها الذهب و الفضة، لم ترى عيناها مثلها من قبل. مرت بجانب النافورة و مدت أصابعها إلى مائها لتتحسسه، فوجدته دافئا. افتر ثغرها عن ضحكة صغيرة، ثم رفعت نظرها إلى الأسرة المفروشة بأبهى الحرير، خلف النافورة. استيقظت من ذهولها لحظة سمعت صوت تاج يقول، - خذي قسطا من الراحة. التفتت إليه لتجده يربط الأحصنة بإحدى الأشجار، فأسرعت نحوه كطفلة صغيرة تملأ التساؤلات رأسها، - كيف يمكن لحديقة كهذه أن تتوجد تحت الأرض؟! التفت إليها و على وجهه ضحكة واسعة تسمح لأسنانه المنظمة بالظهور، - لا فكرة لدي أيضا! ابتسمت وهي تدور حول نفسها و تتفحص كل شيء من حولها، - و كأن الحديقة قطعة من الجنة! عض على شفته السفلى برقة، وهو يتأمل وجهها الذي أشرق فرحا. ثم خفض بصره لوهلة وسمح لشفتيه برسم ابتسامة ظريفة. اتجه نحو شجرة كانت قريبة من موقفهما، قطف منها تفاحة ثم قدمها لها، - تفضلي. تناولي بعض الثمار. أخذتها من يده ثم شكرته، فأومأ قبولا لشكرها، ثم اقترح عليها الجلوس. أومأت ثم اتجهت نحو احدى الأرائك بخطا متأنية، بعد أن أخذت قضمة من التفاحة. و تاج بجانبها يسير بنفس تأنيها، يلتفت إليها تارة، و يخفض بصره تارة، ثم يفتح شفتيه تارة رغبة في الحديث، لكنه يستمر في التراجع. جلست الأميرة على الأريكة، و جلس تاج على حافة النافورة أمام وردة. سأل بعد أن تردد طويلا، - أ معجبة.. بالأمير قمر الزمان؟ رفعت نظرها إليه وهي تمضغ ما قضمته من التفاحة على مهل. ابتسمت ثم قالت بعد أن ابتلعت ما في فمها، - يعجبني حسنه. - أ لهذا.. ترغ*ين في مقابلته؟ - لأنني أعجبت بحسنه؟ أومأ إيماءة صغيرة مترددة، فاتسعت ابتسامتها قائلة، - في الواقع، أرغب في مقابلته لعدة أسباب. **تت لمدة وهي تبادل نظراته الفضولية بنظرات هادئة، ثم أتممت قائلة، - كنت أرغب في التعرف عليه، فربما يكون مختلفا عن من قابلتهم من الرجال، فأقع في حبه، كما وقعت في حب جماله، تلك الليلة. أومأ متفهما و هو يتفادى النظر إلى عينيها، ثم أضافت، - كما أنني أرغب في إعادة خاتمه إليه، و أريد أن أُثبت كذلك لأبي أنني لم أكن أهدي أو أكذب. نظف تاج حلقه، ثم سأل في إرتباك نجح في إخفائه بين ملامحه، لكنه اتضح في نبرته عندما نطق، - ماذا لو.. وجدتي قمر الزمان.. كمن قابلتهم من الرجال من قبل؟ وقفت عن الأريكة ضاحكة، - لا يهم! وقف بدوره ثم تقدم نحوها خطوتين متوانيتين، - أ لن يخيب أملك؟ أ لم يعجبك حسن وجهه؟! عضت شفتها السفلى و هي تبتسم ابتسامة ظريفة، ثم تقدمت نحوه دون أن ت**ر اتصال عيونهما. - في الحقيقة، يعجبني حسن وجهك أيضا! رمش كالمتفاجئ بعد ما تفوهت به من كلام، ثم خفض بصره و ابتلع ريقه في **ت قبل أن يرفع نظره إليها في توتر. قالت و ضحكتها اللطيفة قد اتسعت و ازدادت ظرافة، - ما الجمال إلا هبة يمنحها الخالق لمن يشاء، هبة تُمكِّننا من جذب إنتباه الآخرين إلينا، لكن ما يبقي انتباههم إلينا دائما، هو من نحن كأشخاص. ثم أضافت مستأذنة بعد أن تأملت عينيه لبضع ثوان، - سأذهب لأرتاح قليلا. أومأ ثم أفسح لها الطريق، فغادرت موقفها نحو أحد الأسرة وهي تكمل تناول تفاحتها. ما إن ابتعدت حتى سمح تاج لجسده بأن يرتاح على حافة النافورة، و المفاجأة قد تملكت تعابير وجهه. أدخل نفسا إلى ص*ره ثم زفره في هدوء، رفع يده إلى ص*ره، و تحسس موضع قلبه، فشعر بدقاته المتسارعة تض*ب كفه برقة. همس لنفسه في شرود، - يا لها من فتاة! رفرفت حمامته و حطت أمامه على الأرض، فقاطعت أفكاره. انطلق دخان أبيض كثيف و كأنه خرج من جسدها و انتشر في المكان، فاختفت و ظهرت لمار في هيئتها الحقيقية. وقف تاج عن مقعده وهو يتفقد الإتجاه الذي سلكته وردة في حذر. - قد تراك الأميرة يا لمار. ارتسمت ابتسامة مرحة على وجه الجنية، - إنها نائمة. نوما عميقا. رفع كلا حاجبيه، - خدرتها؟! - ستنعم بنوم هنيئ خال من الأحلام. لا داعي للقلق على فاتِنَتِك! قلب عينيه و أشاح بوجهه في انزعاج، - كفي عن هذا يا لمار! تقدمت نحوه بخطا بطيئة مدروسة، و ابتسامة لعوبة تعلو ثغرها، - لقد سمعتها تعترف لك بإعجابها بحسنك! - و أظنكِ سمعتي ما قالته بعد ذلك أيضا! أومأت، - سمعت. سمعت. لكن من يدري، قد تعجب أيضا بمن تكون كشخص! تن*د أمامها كالمنهزم، - لمار، لقد وعدتي والدك بالجمع بين وردة و بين قمر الزمان، و ليس بينها و بيني. - وعدتُ أبي بالجمع بين الأميرة و الأمير، لكنني لم أذكر اسم قمر الزمان! تفحص تعابير وجهها المتحمسة بعينان مستسلمان، ثم هز رأسه رفضا، - ما تفكرين فيه مستحيل يا لمار. مستحيل. - و لما؟! أنت أيضا أمير من أمراء الغبراء! إذا جمعت بينكما، جمعت بين عائلتيكما و مملكتيكما، تماما كما وعدت والدي! - و ماذا عن قمر الزمان؟! - دع وردة تقا**ه و تتعرف عليه. خفض بصره لوهلة ثم قال، - ستحبه. - و ما أدراك؟! - لطالما كان الأفضل! الأفصح، الأذكى، و الأمهر في كل شيء. هكذا كان يخ*ف انتباه الجميع و يبقيه ملكه دائما. تقدمت لمار نحو الأريكة وهي تقول، - لكنك الأكثر شجاعة، محب للمغامرة، و الأكثر دهاء! جلست على الأريكة ثم أشارت له بالقعود بجانبها، فتقدم باتجاهها بخطوات بطيئة و هو يقول، - الفصيح الذكي المتزن، أفضل من المغامر المتمرد الذي يظن نفسه شجاعا. - أنت لا تعرف ما الذي تفضله وردة. جلس متن*دا، - لا أعرف! ثم التفت إليها، - و لا أعرف ما الذي تخططين له أيضا! افتر ثغرها عن ضحكة صغيرة ثم قالت، - ثق بي و حسب! ثق بي. هزّ رأسه سلبا و هو يقهقه في **ت. فأضافت، - هيا! كل ما عليك الآن هو مرافقة الأميرة إلى قصر الملك شهرمان، و اترك الباقي علي. قلص عينيه في شك، - دعيني أحزر. ليس لد*ك أدنى فكرة عن كيف ستسير الأمور حقا! نظفت حلقها ثم حاولت منع شفتيها من الابتسام، - الحياة لا تسير كما يتم التخطيط لها! إنها تسير كما يجب عليها أن تسير وحسب! تذكر هذا دائما. ثم وقفت عن مكانها دون أن تمنحه فرصة للرد عليها. وهي تبتعد عنه، انفجر دخان أبيض متلألئ من جسدها، ثم أحاط بها، فاختفت وسطه و ظهرت على هيئة الحمامة الفضية. رفرفت بجناحيها باتجاه الأشجار. تمتم لنفسه ضاحكا، وهو يراقبها إلى اختفت عن ناظريه، - لا أصدق أنني وثقت بهذه المجنونة! لا أصدق! ..... فتحت وردة جفنيها بصعوبة، لكن سرعان ما سهل عليها فتحهما عندما تذكرت أنها في حديقة و كأنها الخيال. فبقيت مستلقية لمدة على السرير الحريري، تحدق بالمصابيح و الفوانيس في السقف. اعتلت ابتسامة صغيرة محياها، ثم جلست، و تجولت بنظرها في المكان بحثا عن تاج، لكنها لم تجده، فوقفت عن الفراش، و انطلقت تسير و تفتش عنه. توقفت عندما لمحت جسده المستلقي على الأريكة حيث جلست تحدثه قبل قليل، فتقدمت نحوه بهدوء و حذر. وقفت عند رأسه مبتسمة، ثم جلست على الأرض لتتمكن من النظر وجهه جيدا. وضعت ذراعيها اليمنى على ذراعها اليسرى على الأريكة، ثم أراحت ذقنها عليهما، و أخذت تتفحص ملامحه النائمة. تبسمت، ثم مدت يمناها إلى شعر جبينه المموج، و أزاحته عن جفنيه. همست لنفسها، - يماثل قمر الزمان في جماله! و كأنهما يقربان لبعض. بعد مدة قضتها في دراسة محاسن وجهه، وقفت عن الأرض، ثم عادت إلى فراشها حيث تركت حقيبة ملابسها. أخرجت ملابس ركوب الخيل، ثم خلعت عنها قفطانها المطرز و المرصع بأجمل الأحجار، و وضعت على جسدها بدلا منه، قميصا أ**دا طويل إلى حد الركبتين، طويل الأكمام. ثم ارتدت فوقه ص*رية جلدية، لونها أزرق داكن مطرزة بخيوط فضية، تناسب قدها و تظهر مدى رشاقتها و جمال خصرها النحيل. ثم ارتدت سروالا أ**دا يناسب ساقيها، و حذاء ذو عنق طويل جلدي يماثل الص*رية في اللون. جمعت ما خلعته من ملابس في الحقيبة، ثم جلست تسرح شعرها الأ**د الطويل على شكل ضفيرة. و بعد أن إنتهت من شعرها، ارتدت سلهامها الأ**د البسيط، و رفعت الغطاء على رأسها. تناولت حقيبتها الجلدية، ثم عادت إلى حيث تركت تاج، فودته لايزال نائما. دنت منه قليلا، ثم مدت يدها إلى كتفه و هزته بلطف، و هي تهمس باسمه، و تطلب منه أن يستيقظ. فتح جفنيه بصعوبة، ثم رفع نظره إليها و قد انكمشت ملامحه في نوع من الضيق. و ما أن اتصلت عيناه بعينيها، حتى تغيرت تعابيره، و كشفت عن تفاجئه من قربها منه، فأسرع و جلس، ثم هو يمسح على وجهه بكلتا كفيه. وضعت وردة حقيبتها أرضا، ثم جلست بقربه، - ارتحت قليلا؟ أومأ، ثم التفت إليها ليلقي نظرة سريعة على وجهها المبتسم، فابتسم في ارتباك و خفض بصره لبرهة قبل أن يسأل و التوتر يغلب على نبرة صوته، - و أنتِ؟ أومأت و هي تدرس حركاته المرتبكة، - نمت جيدا! فالمكان يُشعِر بالأمان. هز رأسه موافقا، ثم وقف عن مقعده. استدار إليها في تردد، ثم سأل متفاديا النظر إلى عينيها، - إذا.. هل ننطلق الآن؟ وقفت، ثم أجابت بعد بضع ثوان من السكوت، - أريد أن أعرف أولا ما الذي يجري في القصر. أ يمكنك أن تريني، كما أريتني ما جرى مع الأمير قمر الزمان؟ أومأ بضع مرات و هو يشرح، - بالطبع يمكنني. لكنني أحتاج شيئا يخص السلطان ورد شاه، خاتمه، قطعة من لباسه، أي شيء. و أحتاج مرآة أيضا. - ليس معي مرآة، لكن أظنني.. جلست على ركبتها، و أخذت تتفقد حقيبتها متمتمة، - أملك شيئا يخص والدي.. ثم أخرجت خنجرا ذهبيا مرصعا بمجوهرات ثمينة حمراء اللون، و ناولته إياه قائلة، - إنه خنجر السلطان. أخذته مرة.. دون علمه. أخذه منها، ثم نظر إلى عينيها أخيرا، مستغربا، - و.. لما أخذته من دون علمه؟ نظفت حلقها قبل أن تجيب، - كان الخنجر.. هدية من بين الهدايا التي أرسلها أحد التجار إلى القصر في أحد الأيام. و كنت هناك لأنتقي ما يعجبني من أثواب و حلي، فأعجبني الخنجر و أرده لنفسي. تشتت نظراتها وهي تشعر بالإحراج يصعد إلى خديها فتوردتا، - لكن سبقني إليه أبي. استأذنت لأخذه، لكنه أشار لي بالاقتناء من الحلي ثم سألني ساخرا، ما حاجة فتاة إلى خنجر؟ ألقت نظرة سريعة على عينيه المنتبهتان، و ابتسامته اللطيفة، ثم أكملت، - لكنني أخذته في ما بعد. يوم كان سيخرج للصيد.. و ساعدته على حزم أمتعته. حاول الإمساك عن الضحك مستفهما، - فأخذته من بين أمتعته؟! أومأت في تردد، ثم قالت وهي تحاول الدفاع عن نفسها، - كانت له خناجر عديدة! استسلم أمام رغبته، فافتر ثغره عن ضحكة واسعة لكن صامتة. حكت وردة م***ة رأسها في ارتباك ثم سألت و هي تحاول جاهدة دفن شعورها بالإحراج، - ما المضحك في الأمر؟! أجاب وهو يتفحص عينيها المترددتان، - و من قال أن الأمر مضحك؟ أشارت إلى وجهه، وهي تبادله النظرات، - ضحكتك! - ظننت الأمر ظريفا! مضحك نوعا ما، لكن ظريف. ثم خفض بصره لثانية، و ابتسامته الواسعة لا تزالان تعلو محياه. أشار إلى النفورة، ثم شرح قائلا، - سأستخدم النافورة كمرآة. أومأت له و أفسحت له الطريق ليغادر، ثم لحقت به. أغلقت عينيها بإحكام لمدة، وهي تعض على شفتها السفلى، لعلها تطرد الإحراج الذي تشعر به. .......
Free reading for new users
Scan code to download app
Facebookexpand_more
  • author-avatar
    Writer
  • chap_listContents
  • likeADD